تتفوّق جنيف على غيرها من المدن حول العالم بعراقة تاريخها في صنع الساعات المبتكرة منذ الأزمنة الغابرة. تتمتع هذه المدينة السويسرية بخبرة تمتد على أكثر من 400 عام في هذه الحرفة الفريدة، وقد حجزت مكانةً راسخةً لها كوجهة عالمية لمحبّي الساعات ممّن ينشدون تعلّم أسرار صناعتها، أو يرغبون في امتلاك قطعة قيّمة أو يودّون زيارة مكان يروي حكاية الوقت بأكثر من ألف طريقة.
ولا عجب في أن تستضيف جنيف أبرز الفعاليات التي تحدّد الصيحات الرائجة في القطاع عاماً تلو الآخر، كونها المدينة الأعرق في صناعة الساعات. على سبيل المثال، أقيم المعرض الدولي للساعات الفاخرة (SIHH) للمرة الأولى في جنيف عام 1991 وعُرف مذّاك بكونه من أكبر وأهم المعارض التجارية في مجال الساعات الفاخرة. تُقام الدورة الثلاثون من هذا المعرض بين 25 و29 أبريل 2020، حيث سيتّخذ صيغةً جديدة واسماً جديداً له هو “ساعات وروائع جنيف”. سيُقسم هذا المعرض الضخم إلى عرضَين مختلفين هما “الصالون” الحصري حيث يجتمع الخبراء ووسائل الإعلام والضيوف المميّزون، بالإضافة إلى عرض “في أحضان المدينة” الجديد لعامّة الناس والذي سيحوّل وسط مدينة جنيف إلى وجهة لاستكشاف جوانب التميّز في صنع الساعات على مدى أسبوع كامل.
من جهة أخرى، تُقام جائزة جنيف الكبرى لصناعة الساعات الراقية (GPHG) كل سنة لتكريم التميّز في صناعة الساعات حول العالم حيث تُمنح الجوائز لأجود الابتكارات وأهم المشغّلين في هذا القطاع. يُقام حفل توزيع الجوائز في شهر نوفمبر من كل سنة على مسرح جنيف الكبير بحضور حشد رفيع المستوى من أهم مصنّعي الساعات الفاخرة حول العالم.
ترتبط هوية جنيف ارتباطاً وثيقاً بحرفة صنع الساعات، ما يَظهر بوضوح في كل زاوية منها بدءاً من نافورة جنيف التي تُعدّ رمز المدينة ومن أطول النوافير في العالم إذ تقع في بحيرة جنيف. أُنشئ هذا المعلم الرائع عن طريق الصدفة في العام 1886 حين قام مصنع هيدروليكي ينقل الماء من نهر الرون إلى الحرفيين وصنّاع الساعات في المدينة بتركيب صمّام أمان لتخفيف الضغط الزائد عبر تنفيس المياه. فما كان من المياه الفائضة إلا أن تحوّلت إلى ما بات يُعرف اليوم بنافورة جنيف. وحالياً، يتوافد آلاف الزوّار كل يوم إلى هذا المعلم السياحي لالتقاط صور رائعة تخلّد ذكرى زيارتهم إلى جنيف.
علاوة على ذلك، يشكّل متحف باتيك فيليب المذهل معلماً آخر مرتبطاً بصناعة الساعات في قلب حيّ بلينباليه. يحتضن المتحف أرقى إبداعات صنّاع الساعات، ومجموعة استثنائية من الساعات، وآلات موسيقية ذاتية التشغيل ومجسّمات صغيرة مطلية بالمينا من القرن السادس عشر إلى القرن التاسع عشر. يمكن للسيّاح زيارة المتحف لاكتشاف 500 عام من تاريخ صنع الساعات والتفرّج على قطع فنية رائعة أثناء الإصغاء لقصة كل منها.
أما عشاق هذه الحرفة فيمكنهم القيام بجولة خاصة للغوص أكثر في التاريخ العريق لهذه الصناعة عبر زيارة شوارع محددة في جنيف بدءاً من ساعة الأزهار الشهيرة وصولاً إلى مواقع أقل شهرة إنما تتمتع برمزية كبيرة. كما توفّر الجولة فرصة التفرّج على واجهات المتاجر على طول شارع الرون الشهير مع عدد لا يُحصى من أهم المتاجر المختصة بصنع الساعات في العالم. بالإضافة إلى ذلك يمكن المشاركة في ورشة عمل لصنع الساعات في إينيتيوم لاستكشاف عالم الساعات الميكانيكية المذهل. سيقدّم صانع ساعات ماهر دروساً نظرية وتطبيقية لمساعدة الزوّار على كشف أسرار الحركة الميكانيكية للساعات. استخدم المفكّ والملقط لتوظيف المعارف التي اكتسبتها في ورشة العمل حيث ستتمكن من جمع القطع لتنفخ الحياة في الساعة.