سلطت مجموعة بوسطن كونسلتينج جروب (BCG) الضوء، في تقرير أطلقته مؤخراً، بعنوان “نموذج التشغيل المستقبلي لشركات النفط الوطنية”، على ضرورة اهتمام شركات النفط الوطنية (NOCs)بتطوير نماذجها التشغيلية وربطها بأهدافها الاستراتيجية على نحو فائق الوضوح، لتحقيق رؤاها المرتبطة بتعزيز الإنتاجية واستشراف النفقات المستقبلية المتوقعة، والمساهمة في الجهود الهادفة للحد من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري. وتوضح الدراسة الاستقصائية، أهمية اعتماد نماذج التشغيل البسيطة، التي تساهم في تعزيز كفاءة الإنتاجية بنسبة 30-40% عبر سلسلة القيمة الأولية لشركات النفط والغاز. ويتضمن هذا المسار اعتماد أدوات جديدة، كتطبيق نماذج أكثر دقة، والتركيز على دورها في تحسين إنتاجية الموارد المستخرجة من الآبار بنسبة 4-6%، مع اختصار الوقت عبر عمليات التصميم والتقييم الاستباقية بنسبة 80%.
وقال بيورن إيورز، العضو المنتدب والشريك الأول في بوسطن كونسلتينج جروب: “تتطلب جهود التحول اعتماد نموذج تشغيلي جديد، مع خارطة طريق مفصلة، وفريق متخصص يتحمل مسؤوليات واضحة، وإدارة مبتكرة تطمح للتغيير، وقدرات متطورة لتقييم المخاطر، ونظم تكنولوجيا المعلومات الداعمة لهذا التوجه. ويتوجب على شركات النفط الوطنية بالتالي، التركيز على تبني نهج تحولي متكامل عبر مجالات الأعمال الرئيسية، بما في ذلك الأنشطة والعمليات، وطرق العمل الجديدة، والتحول الرقمي والابتكارات التكنولوجية، وجهود خفض انبعاثات الكربون.”
وتتضمن المقومات الإضافية في هذا الإطار، اعتماد نماذج الذكاء الاصطناعيأو التعلم الآلي والتوائم الرقمية، للتعرف على العمليات غير المرتبطة بالإنتاج، وتحسين عمليات استخراج النفط، ما قد ينعكس ايجاباً عبر زيادة الإنتاج بنسبة 2-6%، وخفض النفقات التشغيلية ذات الصلة بعمليات الحفر والتنقيب بنسبة 25% تقريباً. كما يؤدي اعتماد نهج الصيانة والإدارة التنبؤية، إلى تحسين الجهوزية وخفض نفقات الصيانة بنسبة 15-25%.
وقال زابولكس مياليك، الشريك والمدير المساعد في بوسطن كونسلتينج جروب: “يؤدي التحول لاعتماد مصادر الطاقة المنخفضة الكربون بشكل أساسي، إلى إعادة تشكيل استراتيجيات إنتاج الطاقة واستهلاكها، وتعتبر شركات النفط الوطنية في الشرق الأوسط رائدة في هذا الاتجاه التطوري حتى الآن – عبر توسيع نطاقات التشغيل لتشمل مجالات الطاقة البديلة، والموافقة على الاستثمارات ذات الصلة بخفض انبعاثات الكربون، وخفض انبعاثات الكربون الناجمة عن استخراج الغاز الطبيعي المسال (LNG). وستؤدي استضافة مؤتمر COP27 في مصر ومؤتمر COP28 في الإمارات العربية المتحدة عامي 2022 و2023، إلى تسليط الضوء على شركات النفط الوطنية في أفريقيا والشرق الأوسط لمراجعة ممارساتها ذات الصلة بمواجهة التحديات المناخية.”
وقد بدأت شركات النفط العالمية (IOCs) بتحويل عملياتها على نحو واضح. كما تشهد عائدات المساهمين في شركات النفط والغاز تراجعاً ملحوظاً، بعد عقود من الحفاظ على مسار نمو تصاعدي طويل الأجل على مؤشر ستاندارد آند بورز، خلال فترات الاستثمار التي امتدت عبر 3 و5 و10 سنوات مع رؤية مستقبلية غير واضحة. وقد أدركت شركات النفط الدولية عدم استدامة نماذج التشغيل الأولية الحالية حيث يدفعها تقلب أسعار النفط والعرض الزائد والتحول في اعتماد مصادر الطاقة إلى العمل على تطوير عملياتها بما يتناسب مع المشهد الحالي. ورغم اختلاف الاستراتيجيات على مستوى المحافظ الفردية، إلا أن النجاح في تطوير النماذج المستقبلية يتطلب استراتيجيات أعمال مختلفة كلياً. ويتشابه واقع شركات النفط الوطنية مع منافساتها الدولية، ما يتطلب إحداث تحويلات جذرية في هذا الإطار.
تحويل النموذج التشغيلي لشركات النفط والغاز عبر 3 خطوات:
تحويل طريقة العمل
يبدأ ذلك بإعادة تعريف الفلسفة التشغيلية للشركة – وهو مصطلح يشمل رؤيتها ومهمتها ومبادئها وأهدافها وممارساتها التجارية. وستحتاج شركات النفط الوطنية إلى ربط مواضيع النفقات وانبعاثات الكربون بفلسفاتها التشغيلية. وقد يشمل ذلك تبني نهج التقشف لتحسين العمليات، والحد من الهدر، وتعزيز قيمة الخدمات المقدمة للعملاء. ومن الممكن أن يتمحور هذا النهج حول التحولات التشغيلية الرئيسية، مثل إجراء عمليات التشغيل عن بعد.
تبسيط العمليات الأساسية وترشيد الأنشطة
يبدأ ذلك بتبسيط عمليات الإنتاج والصيانة والسلامة الأساسية. ما يؤدي بالتالي إلى الحد من العمليات غير الضرورية وتجنب تكرار المهام، والاستفادة من التقنيات والمعلومات المتوفرة حديثاً على نحو تام ومتكامل. كما يتضمن هذا النهج، الحد من مستوى العمليات الروتينية غير الضرورية. ويتوجب على الشركات في هذه المرحلة، تعزيز عمليات الصيانة التصحيحية مقابل أعمال الصيانة الوقائية، وتخطيط عمليات الصيانة الوقائية وتكرارها. ويعتبر الوقت مثالياً لإعادة النظر في عمليات التخطيط التشغيلي المتكامل وترشيدها، وتصحيح الثغرات وتقليص الأعمال الأقل أهمية.
تطوير نموذج تشغيلي مستقبلي شامل ممكّن رقمياً
يؤدي التحول الرقمي والمزايا الناجمة عنه، بما في ذلك البيانات الضخمة والتحليلات التنبؤية والروبوتات والذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي وإنترنت الأشياء إلى توفير القدرات اللازمة لتعزيز وتمكين كل جانب من جوانب عمليات شركات النفط والغاز. وتتمثل الخطوة الثالثة عبر رحلة التحول، في تطوير نموذج تشغيلي مستقبلي شامل وممكّن رقميًا. ما يعني بناء قدرات متطورة والاستفادة الكاملة من مجموعة الأدوات الرقمية. ويتوجب على الشركات في هذا الإطار، تعزيز قدرتها للتحول بخطى سريعة، بدءاً من البرامج التجريبية المحلية إلى التنفيذ المتكامل على نطاق واسع لتحقيق أقصى قدر من التأثير.
وأضاف جان كريستوف برنارديني، الشريك والمدير المساعد في بوسطن كونسلتينج جروب: “تتكشف المشاريع المبتكرة في هذا القطاع على نحو متسارع، مزودة شركات النفط الوطنية – والدول التي تعتمد على عائداتها – بقدرات طويلة الأجل لتسهيل اعتماد الحلول الخضراء.”